إن القوة الملزمة للعقد تقتضي قيام أطرافه بتنفيذ ما يقع على عاتقهم من إلتزامات فإنْ عدل أيّ من الطرفين على تنفيذ إلتزاماته أو تأخّر في تنفيذها كان بالإمكان إجباره على ذلك عن طريق تحريك المسؤولية العقدية، فما هو مفهوم المسؤولية العقدية؟.
أ-تعريف المسؤولية العقدية.
لغة. تنقسم المسؤولية العقدية إلى مصطلحين المسؤولية لغة "هي كل ما يتحمله مسؤول تناط بعهدته أعمال تكون تبعة نجاحها أو إخفاقها عليه (1).
أما العقدية: فهي ناجمة عن لفظ عقد وهو الإتفاق المبرم بين طرفين.
قانونا:
عموما يراد بالمسؤولية: الجزاء الذي يترتب على المرء عند إخلاله بقاعدة من قواعد السلوك ويختلف هذا الجزاء باختلاف نوع القاعدة المخل بها.
أما المسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بالإلتزامات الناشئة عن العقد أو عدم تنفيذها أو تأخر فيها، وهذه المسؤولية لا تقوم إلا عند إستحالة التنفيذ العيني ولم يكن من الممكن إجبار المدين على الوفاء بإلتزاماته المتولدة عن العقد عينا فيكون المدين (2)، مسؤولا عن الأضرار التي يسببها للدائن نتيجة عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عن العقد، كما يتعين بقاء المتعاقدين في دائرة القوة الملزمة للعقد ما بقي التنفيذ العيني بالالتزام الناشئ عنه ممكنا، بحيث لا يكون لأيهما المطالبة بالجزاء الذي فرضه القانون لهذه القوة الملزمة بأعمال المسؤولية العقدية إلا إذا إستحال تنفيذ هذا الإلتزام نهائيا وبصفة مطلقة.
كون أن العقد هو شريعة المتعاقدين حسب المادة 106 من القانون المدني الجزائري.
ب- شروط المسؤولية العقدية.
إن المقصود بنطاق المسؤولية العقدية هو المجال الذي تقوم فيه المسؤولية العقدية أو بطريقة أخرى نعني به شروط المسؤولية العقدية كما يسميها البعض، وهناك من الفقهاء من أدرج نطاق المسؤولية في شرطين أساسين ألا وهما: وجود عقد صحيح، والإخلال بإلتزام عقدي، إلاّ أن هناك من الفقهاء من أضاف شرط ثالث ألا وهو: قيام المسؤولية العقدية في إطار عقدي أمثال الدكتورعلي فيلالي.
1-وجود عقد صحيح.
لا يمكن الإدّعاء بالمسؤولية العقدية إلا بوجود عقد بين الأطراف وأن يكون هذا العقد صحيحا(3)، أما إذا لم ينعقد العقد بعد كأن يتضرر أحد الأطراف في مرحلة المفاوضات مثلا فلا مجال لقيام المسؤولية العقدية، ولا تطبق كذلك المسؤولية العقدية إذا كان العقد منعدما أصلا بين المسؤول والمضرور، كأن يقدم أحدهما خدمة للثاني من باب الإحسان مثل ما هو الأمر في النقل المجاني (4).
ولا مجال للمسؤولية العقدية إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال وتقرر إبطاله، وليس أمام المضرور إلا المسؤولية التقصيرية كما تستبعد المسؤولية العقدية في حالة الضرر الذي يصيب الأطراف بعد إنقضاء الرابطة العقدية بسبب فسخها أو لأي سبب آخر إلا أن هناك حالات يبقى فيها حتى بعد إنتهاء العقد ، إذ يظل العامل ملزما بالحفاظ على أسرار العمل حتى بعد إنتهاء العقد.
2- الإخلال بإ لتزام عقدي:
يجب أن يكون الضرر الذي أصاب المضرور ناتجا مباشرة عن إخلال المسؤول بإلتزاماته العقدية ونذكر في هذا الشأن أن هذه الإلتزامات هي من وضع وتحديد المتعاقدين، غير أنه بمقتضى الفقرة 02 من المادة 107 من القانون المدني الجزائري ".... لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة، بحسب طبيعة الإلتزام، فللمضرور إذن أن يدفع بالمسؤولية العقدية عند الإخلال بالالتزامات التي تضمنها العقد صراحة، وكذلك التي تدخل في دائرة التعاقد لكونها من مستلزمات العقد في ضوء الأحكام القانونية والعرفية وكذا العدالة وطبيعة المعاملة (5) مثلا مسؤولية رب العمل عن ضمان سلامة العامل.
3-قيام المسؤولية في إطار عقدي:
إضافة إلى الشرطين السابقين يضاف شرط ثالث ألا وهو قيام المسؤولية في إطار العلاقة العقدية ومعنى ذلك أن يكون المتعاقد المدني أو الغير إذا كان تابعا له هو المتسبب في عدم تنفيذ الإلتزام هو الذي أخل بالإلتزامات التي تحملها بموجب العقد من جهة (6) وأن يكون المتضرر هو المتعاقد معه.
إذن لا مجال للمسؤولية العقدية إلا إذا قامت في إطار العلاقة العقدية.
ج-أركان المسؤولية العقدية:
أركان المسؤولية العقدية ثلاث هي: الخطأ العقدي، الضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
1-الخطأ العقدي:
إن القانون المدني الجزائري يجبر المتعاقد على تنفيذ إلتزامه التعاقدي ومن نصوص قانونية التي تقيد هذا المعنى متعددة وكثير منها المادة 106: العقد شريعة المتعاقدين.
المادة 107: يجب تنفيذ العقد طبقا لما إشتمل عليه وبحسن النية، المادة 164 والتي تجبر المدين بعد إعذاره على حسب المادتين 180 – 181 على تنفيذ إلتزاماته عينيا متى كان ذلك ممكنا، وعلى ذلك لم يقم المدين بتنفيذ إلتزاماته العقدية، فإن الركن الأول للمسؤولية العقدية قد توفر ألا وهو الخطأ العقدي والذي يعني عدم تنفيذ المدين لإلتزاماته سواء كان ذلك عن عمد أو عن إهمال أو بغير ذلك، كما يتمثل عدم التنفيذ أيضا في عدم التنفيذ الجزئي أو التنفيذ المتأخر أو الإمتناع عما يوجبه القانون أو كان بتنفيذ غير مطابق لما تم الإتفاق عليه، أما إذا كان عدم التنفيذ راجع إلى أسباب خارجية لايد للمدين فيها كالقوة القاهرة أو السبب الأجنبي فإنه لا يكون مسؤولا (7).
في القانون المقارن إستند " دوما" و " بوتيه" وغيرهم من شراح القانون الفرنسي بحيث إعتمدوا على نظرية تدرج الخطأ والتي تقسم الخطأ حسب خطورته إلى خطأ جسيم، لا يرتكبه حتى أكثر الناس إهمالا، والخطأ اليسير لا يرتكبه شخص متوسط العناية وخطأ تافه، وهو الذي لا يرتكبه الشخص الحريص (8).
2-الضّرر:
الضّرر هو الأذى الذي يلحق شخص في حق من حقوقه أو مصلحة مشروعة له (9)، وسواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة ذات قيمة مالية أو أدبية، والضرر روح المسؤولية المدنية وعلّتها التي تدور معها وجودا وعدما فلا مسؤولية مدنية دون ضرر، مهما بلغت جسامة الخطأ، والتعويض عن الضرر وفقا للمادة 176 ق.م.ج يكون عن عدم تنفيذ الالتزام وقد يكون عن التأخر في تنفيذه وللضرر شروط تتمثل فيما يلي:
-أن يكون الضّرر مباشرأ ومتوقعا أي أنه يكون نتيجة طبيعية لعدم الالتزام أو التأخر فيه.
-أن يكون الضّرر محققا سواء كان حالا أو مستقبلا أما إذا كان الضرر المستقبلي محتمل الوقوع فلا محل لطلب التعويض عنه في الحال بل يجب الإنتظار حتى يتحقق. لا يسأل الشخص عن عمله إلا إذا كان ضارا.(10)
3-العلاقة السّببية بين الخطأ والضّرر:العلاقة السببية هي تلك الصلة التي تربط الضرر بالخطأ فتجعل الضرر نتيجة للخطأ، فإذا إنعدمت هذه الرابطة إنتقلت المسؤولية لإنعدام ركن من أركانها ومن الأمثلة على ذلك أن يهمل المحامي في رفع الإستئناف حتى ينتهي ميعاده، ثم يتبين أن الدعوى غير قابلة للاستئناف ففي هذه الحالة لا مسؤولية على المحامي وا لعلاقة السببية هنا هي مفترضة إفتراض بسيط قابل لإثبات العكس (11).
إذن يجب إثبات العلاقة السببية بين الخطأ العقدي(عدم تنفيذالإلتزام) وبين الضرر.
--------
وفي الختام ومن خلال عرضنا لهذا الموضوع تعرفنا على مفهوم المسؤولية العقدية من الناحية اللغوية والقانونية وبينا الشروط الواجب توافرها من أجل قيام المسؤولية العقدية ،أهمها ان يكون هناك عقد بحيث لا يمكن
أبدا قيام المسؤولية العقدية دون وجود عقد مبرم بين الطرفين.
كما بينا ايضا أركان المسؤولية العقدية والمتمثلة في الخطا العقدي ،الضرر و اخيرا العلاقة السببية بين الخطا والضرر
1 - د. علي فيلالي، الإلتزامات ،العمل المستحق للتعويض، الجزء الثاني، دون طبعة، دار موفم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2002، ص: 02.
2 - د. العربي بلحاج، النظرية العامة للإلتزامات في القانون المدني الجزائري، الجزء الأول، بدون طبعة ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1999، ص: 264 ، 266.
3- 3-لا يمكن أبدا مساءلة المسؤول عن الضرر إذا لم تكن هناك رابطة عقدية بينه وبين المتضرر وهذا وفقا لقواعد المسؤولية العقدية.
4- 4- علي فيلالي، المرجع السابق ذكره، ص: 18 – 19.
5 - د.علي فيلالي، المرجع السابق، ص 19.
6 - د.علي فيلالي، المرجع نفسه، ص 20.
7 - إدريس فاضلي، الوجيز في النظري العامة للالتزام، دون طبعة، قصر الكتاب للنشر والتوزيع، الجزائر 2006-2007، ص: 144.
8 - د. العربي بلحاج، مرجع السابق، ص: 268.
9 - د. العربي بلحاج، المرجع السابق، ص: 281.
10 -جبالي وعمر، المسؤولية الجنائية للأعوان الإقتصاديين،ديوان المطبوعات الجامعية ،الساحة المركزية –بن عكنون –الجزائر ط3 2008،ص53.
11 - حسن علي الدنون ومحمد سعد الرحو، الوجيز في النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام الجزء الأول، ط1، دار وائل للنشر والتوزيع، الأردن، 2002، ص 211